قبيلة الباجاو.. بدو البحر الذين يعيشون تحت الماء منذ قرون

الكاتب : سمرمنصور

من هم الباجاو؟

قبيلة الباجاو، التي يُطلق عليها اسم  بدو البحر، هي جماعة بشرية تعيش منذ مئات السنين متنقلة بين سواحل الفلبين وماليزيا وإندونيسيا.

يختلف الباجاو عن غيرهم من الشعوب بارتباط حياتهم الكامل بالمحيط، فهم لا يعرفون الزراعة أو الاستقرار على اليابسة، بل اتخذوا البحر وطنًا والعيش على قوارب خشبية تُسمى ليبا-ليبا مسكنًا دائمًا لهم.

الحياة فوق الماء وتحت الأمواج

يسكن الباجاو القوارب أو بيوتًا بدائية تُبنى على ركائز خشبية فوق سطح البحر.

يعتمدون اعتمادًا كليًا على الصيد والغوص لجمع الأسماك والمحار وخيار البحر.

حتى الأطفال يتعلمون السباحة قبل المشي، ويقضون أغلب أوقاتهم في الماء.

قدرات خارقة في الغوص الحر

يمتاز الباجاو بقدرة نادرة على الغوص الحر دون استخدام أجهزة تنفس صناعي.

يمكن لبعضهم البقاء تحت الماء أكثر من 13 دقيقة متواصلة، والوصول إلى أعماق تصل إلى 60 مترًا.
وقد كشفت دراسة علمية حديثة أن السر وراء هذه القدرة يكمن في حجم الطحال الكبير لديهم، والذي يزيد بنسبة 50% عن الطحال لدى الإنسان العادي.

هذا العضو يعمل كمخزن إضافي للأكسجين، ويمنح أجسادهم القدرة على الصمود فترات أطول في أعماق البحر.

التكيف الوراثي مع البحر

المثير أن هذه الميزة ليست مكتسبة بالتدريب فقط، بل هي تكيف وراثي انتقل عبر الأجيال.

حتى الأطفال الذين لم يخوضوا تجربة الغوص بعد، وُجد أن لديهم طحالًا أكبر من المعتاد، مما يبرهن على أن أجسادهم تطورت لتتلاءم مع بيئة البحر.

عادات وممارسات فريدة

لمواجهة ضغط الأعماق، يعمد بعض أفراد قبيلة الباجاو إلى ثقب طبلة الأذن، ما يساعدهم أثناء الغوص لكنه يترك آثارًا جانبية مثل ضعف السمع والتهابات مزمنة.
كما يتمتع أطفال الباجاو بقدرة استثنائية على الرؤية تحت الماء بشكل أوضح من الأطفال الآخرين، نتيجة التدريب المستمر على الغوص منذ الصغر.

ثقافة وهوية مهددة بالاندثار

إلى جانب قدراتهم الجسدية الفريدة، يتمتع الباجاو بثقافة شفوية غنية، حيث يتناقلون الأغاني والحكايات البحرية جيلاً بعد جيل.

لكن هذه الثقافة مهددة بالزوال بسبب الضغوط الحديثة.
الكثير منهم لا يملكون أوراقًا رسمية أو جنسية، مما يحرمهم من التعليم والخدمات الصحية، ويجعلهم مواطنين بلا وطن.

التحديات التي تواجه بدو البحر

اليوم يواجه الباجاو تحديات كبيرة، أبرزها:

• تراجع الثروة السمكية بسبب الصيد الجائر.
• تلوث المحيطات الذي أثّر على مواردهم.
• ضغوط الحكومات الساعية إلى توطينهم وإدماجهم في المجتمع المدني.

نتيجة لذلك، اضطر بعض أفراد القبيلة إلى ترك حياة البحر والعمل في الموانئ أو التسول في المدن الساحلية.

ومع ذلك، لا يزال كثير منهم متمسكًا بالبحر كهوية وبيت وحياة.

خلاصة

قبيلة الباجاو مثال فريد على قدرة الإنسان على التكيف مع البيئة.

هم بدو البحر الذين صاغت الأمواج جيناتهم، وحوّلهم البحر إلى مجتمع استثنائي يعيش بين الموج والهواء.
حكايتهم تذكير بأن البحر ليس مجرد مورد طبيعي، بل يمكن أن يكون وطنًا وهوية وذاكرة حيّة لشعب كامل.